كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأصل الائتمار: قبول أمر الآمر فهو مطاوع أمره، قال امرؤ القيس:
ويعدو على المرء ما يأتمر

أي يضره ما يطيع فيه أمر نفسه.
ثم شاع إطلاق الائتمار على التشاور لأن المتشاورين يأخذ بعضهم أمر بعض فيأتمر به الجميع، قال تعالى: {وائتمروا بينكم بمعروف} [الطلاق: 6].
وجملة {قال يا موسى} بدل اشتمال من جملة {جاء رجل} لأن مجيئه يشتمل على قوله ذلك.
ومتعلق الخروج محذوف لدلالة المقام، أي فاخرج من المدينة.
وجملة {إني لك من الناصحين} تعليل لأمره بالخروج.
واللام في قوله: {لك من الناصحين} صلة، لأن أكثر ما يستعمل فعل النصح معدى باللام.
يقال: نصحت لك قال تعالى: {إذا نصحوا لله ورسوله} في سورة [التوبة: 91] ووهمًا قالوا: نصحتك.
وتقديم المجرور للرعاية على الفاصلة.
والترقب: حقيقته الانتظار، وهو مشتق من رقب إذا نظر أحوال شيء.
ومنه سمي المكان المرتفع: مرقبة ومرتقبًا، وهو هنا مستعار للحذر.
وجملة {قال رب نجني} بدل اشتمال من جملة {يترقب} لأن ترقبه يشتمل على الدعاء إلى الله بأن ينجيه.
والقوم الظالمون هم قوم فرعون.
ووصفهم بالظلم لأنهم مشركون ولأنهم راموا قتله قصاصًا عن قتل خطأ وذلك ظلم لأن الخطأ في القتل لا يقتضي الجزاء بالقتل في نظر العقل والشرع.
ومحل العبرة من قصة موسى مع القبطي وخروجه من المدينة من قوله: {ولما بلغ أشده} [القصص: 14] إلى هنا هو أن الله يصطفي من يشاء من عباده، وأنه أعلم حيث يجعل رسالاته، وأنه إذا تعلقت إرادته بشيء هيأ له أسبابه بقدرته فأبرزه على أتقن تدبير، وأن الناظر البصير في آثار ذلك التدبير يقتبس منها دلالة على صدق الرسول في دعوته كما أشار إليه قوله تعالى: {فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون} [يونس: 16].
وإن أوضح تلك المظاهر هو مظهر استقامة السيرة ومحبة الحق، وأن دليل عناية الله بمن اصطفاه لذلك هو نصره على أعدائه ونجاته مما له من المكائد.
وفي ذلك كله مثل للمشركين لو نظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم في ذاته وفي حالهم معه.
ثم {إن} في قوله تعالى: {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} الآية إيماء إلى أن رسوله صلى الله عليه وسلم سيخرج من مكة وأن الله منجيه من ظالميه.
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)}.
هذه هجرة نبوية تشبه هجرة إبراهيم عليه السلام إذ قال: {إني مهاجر إلى ربي} [العنكبوت: 26].
وقد ألهم الله موسى عليه السلام أن يقصد بلاد مدين إذ يجد فيها نبيئًا يبصره بآداب النبوءة ولم يكن موسى يعلم إلى أين يتوجه ولا من سيجد في وجهته كما دل عليه قوله: {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}.
فقوله تعالى: {ولما توجه تلقاء مدين} عطف على جمل محذوفة إذ التقدير: ولما خرج من المدينة هائمًا على وجهه فاتفق أن كان مسيره في طريق يؤدي إلى أرض مدين حينئذ قال: {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}.
قال ابن عباس: خرج موسى ولا علم له بالطريق إلا حسن ظن بربه.
و{توجه} ولى وجهه، أي استقبل بسيره تلقاء مدين.
و{تلقاء} أصله مصدر على وزن التفعال بكسر التاء، وليس له نظير في كسر التاء إلا تمثال، وهو بمعنى اللقاء والمقاربة.
وشاع إطلاق هذا المصدر على جهته فصار من ظروف المكان التي تنصب على الظرفية.
والتقدير: لما توجه جهة تلاقي مدْيَن، أي جهة تلاقي بلاد مدين، وقد تقدم قوله تعالى: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} في سورة الأعراف.
(47) و{مدْيَن} قوم من ذرية مدين بن إبراهيم.
وقد مضى الكلام عليهم عند قوله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبًا} في سورة الأعراف (85).
وأرض مدين واقعة على الشاطىء الغربي من البحر الأحمر وكان موسى قد سلك إليها عند خروجه من بلد رعمسيس أو منفيس طريقًا غربية جنوبية فسلك برية تمر به على أرض العمالقة وأرض الأدوميين ثم بلاد النبط إلى أرض مدين.
تلك مسافة ثمانمائة وخمسين ميلًا تقريبًا.
وإذ قد كان موسى في سيره ذلك راجلًا فتلك المسافة تستدعي من المدة نحوًا من خمسة وأربعين يومًا.
وكان يبيت في البرية لا محالة.
وكان رجلًا جلدًا وقد ألهمه الله سواء السبيل فلم يضل في سيره.
والسواء: المستقيم النهج الذي لا التواء فيه.
وقد ألهمه الله هذه الدعوة التي في طيها توفيقه إلى الدين الحق.
{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}.
يدل قوله: {لما ورد ماء مدين} أنه بلغ أرض مدين، وذلك حين ورد ماءهم.
والورود هنا معناه الوصول والبلوغ كقوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71].
والمراد بالماء موضع الماء.
وماء القوم هو الذي تعرف به ديارهم لأن القبائل كانت تقطن عند المياه وكانوا يكنون عن أرض القبيلة بماء بني فلان، فالمعنى: ولما ورد، أي عندما بلغ بلاد مدين.
ويناسب الغريب إذا جاء ديار قوم أن يقصد الماء لأنه مجتمع الناس فهنالك يتعرف لمن يصاحبه ويضيفه.
و{لما} حرف توقيت وجود شيء بوجود غيره، أي عندما حل بأرض مدين وجد أمة.
والأمة: الجماعة الكثيرة العدد، وتقدم في قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة} في [البقرة: 213].
وحذف مفعول {يسقون} لتعميم ما شأنه أن يسقى وهو الماشية والناس، ولأن الغرض لا يتعلق بمعرفة المسقي ولكن بما بعده من انزواء المرأتين عن السقي كما في الكشاف تبعًا لدلائل الإعجاز، فيكون من تنزيل الفعل المتعدّي منزلة اللازم، أو الحذف هنا للاختصار كما اختاره السكاكي وأيده شارحاه السعد والسيد.
وأما حذف مفاعيل {تَذُودان لا نسقي فسقى لهما} فيتعين فيها ما ذهب إليه الشيخان.
وأما ما ذهب إليه صاحب المفتاح وشارحاه فشيء لا دليل عليه في القرآن حتى يقدر محذوف وإنما استفادة كونهما تذودان غنمًا مرجعها إلى كتب الإسرائيليين.
ومعنى {من دونهم} في مكان غير المكان الذي حول الماء، أي في جانب مباعد للأمة من الناس لأن حقيقة كلمة دون أنها وصف للشيء الأسفل من غيره.
وتتفرع من ذلك معان مجازية مختلفة العلاقات، ومنها ما وقع في هذه الآية.
ف دون بمعنى جهة يصل إليها المرء بعد المكان الذي فيه الساقون.
شُبّه المكان الذي يبلغ إليه الماشي بعد مكان آخر بالمكان الأسفل من الآخر كأنه ينزل إليه الماشي لأن المشي يشبه بالصعود وبالهبوط باختلاف الاعتبار.
ويحذف الموصوف ب دون لكثرة الاستعمال فيصير دون بمنزلة ذلك الاسم المحذوف.
وحرف {من} مع دون يجوز أن يكون للظرفية مثل {إذا نُودِي للصلاة من يوم الجمعة} [الجمعة: 9].
ويجوز أن يكون بمعنى عند وهو معنى أثبته أبو عبيدة في قوله تعالى: {لن تُغْنِيَ عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا} [آل عمران: 10].
والمعنى: ووجد امرأتين في جهة مبتعدة عن جهة الساقين.
و{تذودان} تطرُدان.
وحقيقة الذود طرد الأنعام عن الماء ولذلك سموا القطيع من الإبل الذود فلا يقال: ذدت الناس، إلا مجازًا مرسلًا، ومنه قوله في الحديث «فَلَيذادن أقوام عن حوضي» الحديث.
والمعنى في الآية: تمنعان إبلًا عن الماء.
وفي التوراة: أن شعيبًا كان صاحب غنم وأن موسى رعى غنمه.
فيكون إطلاق {تذودان} هنا مجازًا مرسلًا، أو تكون حقيقة الذود طرد الأنعام كلها عن حوض الماء.
وكلام أئمة اللغة غير صريح في تبيين حقيقة هذا.
وفي سفر الخروج: أنها كانت لهما غنم، والذود لا يكون إلا للماشية.
والمقصود من حضور الماء بالأنعام سقيها.
فلما رأى موسى المرأتين تمنعان أنعامهما من الشرب سألهما: ما خطبكما؟ وهو سؤال عن قصتهما وشأنهما إذ حضرا الماء ولم يقتحما عليه لسقي غنمهما.
وجملة {قال ما خطبكما} بدل اشتمال من جملة {ووجد من دونهم امرأتين تذودان}.
والخطب: الشأن والحدث المهم، وتقدم عند قوله تعالى: {قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه} [يوسف: 51]، فأجابتا بأنهما كرهتا أن تسقيا في حين اكتظاظ المكان بالرعاء وأنهما تستمران على عدم السقي كما اقتضاه التعبير بالمضارع إلى أن ينصرف الرعاء.
و{الرعاء} جمع راع.
والإصدار: الإرجاع عن السقي، أي حتى يسقي الرعاء ويصدروا مواشيهم، فالإصدار جعل الغير صادرًا، أي حتى يذهب رعاء الإبل بأنعامهم فلا يبقى الزحام.
وصدهما عن المزاحمة عادتهما لأنهما كانتا ذواتي مروءة وتربية زكية.
وقرأ الجمهور {يصدر} بضم الياء وكسر الدال.
وقرأه ابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر {يصدر} بفتح حرف المضارعة وضم الدال على إسناد الصدر إلى الرعاء، أي حتى يرجعوا عن الماء، أي بمواشيهم لأن وصف الرعاء يقتضي أن لهم مواشي.
وهذا يقتضي أن تلك عادتهما كل يوم سقي، وليس في اللفظ دلالة على أنه عادة.
وكان قولهما {وأبونا شيخ كبير} اعتذارًا عن حضورهما للسقي مع الرجال لعدم وجدانهما رجلًا يستقي لهما لأن الرجل الوحيد لهما هو أبوهما وهو شيخ كبير لا يستطيع ورود الماء لضعفه عن المزاحمة.
واسم المرأتين لَيَّا وصَفُّورة.
وفي سفر الخروج: أن أباهما كاهن مدْين.
وسمّاه في ذلك السفر أول مرة رعْويل ثم أعاد الكلام عليه فسماه يثرون ووصفه بحمي موسى، فالمسمى واحد.
قال ابن العِبري في تاريخه: يثرون بن رعويل له سبع بنات خرج للسقي منهما اثنتان، فيكون شُعيب هو المسمى عند اليهود يثرون.
والتعبير عن النبي بالكاهن اصطلاح.
لأن الكاهن يخبر عن الغيب ولأنه يطلق على القائم بأمور الدين عند اليهود.
وللجزم بأنه شعيب الرسول جعل علماؤنا ما صدر منه في هذه القصة شرعًا سابقًا ففرعوا عليه مسائل مبنية على أصل: أن شرع من قبلنا من الرسل الإلهيين شرع لنا ما لم يرد ناسخ.
ومنها مباشرة المرأة الأعمال والسعي في طرق المعيشة، ووجوب استحيائها، وولاية الأب في النكاح، وجعل العمل البدني مهرًا، وجمع النكاح والإجارة في عقد واحد، ومشروعية الإجارة.
وقد استوفى الكلام عليها القرطبي.